ذكر
صاحب كتاب العبر فيما تضمنته حوادث الدهر أن رجلا في أحد أقاليم بلادنا قبل اثنين وخمسين عاما من عامنا هذا , كان يحيا في أقليم
كثر فيه في ذلك
الزمان المطر , ولم يكن يوم ذاك أكثر بيوت الناس إلا من طين فلما كثر
المطر وتتابع ترك أكثر الناس بيوتهم خوفا من أن تسقط عليهم , وتعطلت المحال ,
وتعثرت حياة الناس فأصابه شيء من الفاقة والحاجة فعمد إلى أحد جيرانه يقترض منه مالا
فلما دخل عليه كان الجار الطيب مريضا انذاك لكنه رق لحاجة أخيه ورفع وسادته وأخرج
منها صرة فيها مال , ثم أخذ منها ما طلبه صاحبه , وأعطاه أياها وأعاد الصرة إلى
حيث كانت طمع ذلك
المقترض , طمع في المال كله فلما أمسوا وحل الظلام على الناس تسور البيت ,
ثم أتى
إلى الدار فإذا بجاره المريض نائم وحوله ابنته طفلة رضيعة وعنده امرأته
فأراد أن
يحكم جريمته , حمل الطفلة بوطائها ولحافها وفرشها , ووضعها في فناء الدار
علّ المطر أن يصيبها فتصرخ , فإذا علا صياحها قامت الأم إليها فانفرد هو
بالمال فأخذه , فتم
له ما أراد , حمل الطفلة ووضعها في الفناء الذي لا غطاء فيه , ولا جدار
له , ولا
سقف فوقه , ووضعها بلحافها ووطائها فتتابع المطر عليها فاستيقظت الطفلة
فرفعت صوتها بالصياح , استيقظت الأم على صياح ابنتها فلما تبين لها أن ابنتها
بعيدة عنها , وأنه لا فراش ولا وطاء ولا لحاف , أصابها ذعر شديد , يمكن للطفلة أن
تتقلب , لكن من
الذي حمل الفراش , من الذي حمل الوطاء , من الذي حمل اللحاف , اسئلة لتم
تجد المرأة لها جوابا فهبت مذعورة وأيقظت زوجها وأخبرته الخبر , فقال لها
تفقد الابنه , قالت إني أخاف فقام معها يتحامل على مرضه ويتكأ عليها حتى وصلا جميعا
إلى الفناء عند
ابنتهم , فعمد هذا الرجل وكان قد تخبى في ناحية من الدار عمد إلى
الوسادة فرفعها وأخذ الصرة وهو يظن أنه أحكم صنعته , وأتم جريمته , ونسي أن الله
ذو قدرة وعزيز ذو انتقام , فما أن حمل الصرة وهمّ بالخروج , إلا والبيت كله يسقط
عليه ...
فتأمل أيه المؤمن كيف نجى الله بلطفه الرجل وزوجته وابنته لم يصبهم
شيء , وكيف أهلك الله جلا وعلا بالقدر ذاته ذاك الذي ءأتمر على
أخيه ,
قال
ربنا وهو أصدق القائلين { أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا
نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنجْواهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ
يَكْتُبُونَ }
فالخوف من مقام الله ومراقبة الله جلا وعلا والعلم أن الله جلا وعلا مطلع عليك من أعظم صفاتك أيها المؤمن التقي ,
ومن أعظم مايحول بينك وبين معصية الله .